بقلم: يوسف سيدهم
في بدايات عام 2006 ظهر الموقع الإلكتروني لجامعة أسيوط علي الإنترنت في خطوة بدت وكأنها مبادرة عصرية لمواكبة معايير التكنولوجيا العالمية وثورة الاتصال، وكان من المعلومات اللافتة للنظر التي تم بثها علي الموقع إحصائية رقمية تضم أعداد الطلبة وكوادر هيئات التدريس، لكن الغريب في الإحصائية أنها تولت تصنيف تلك الأعداد تبعا للديانة!!
ومن لا يعرف أسيوط ولا جامعتها لن يفهم بسهولة ما شأن الديانة في إحصائية مثل هذه، أما أهل أسيوط والعارفون بأحوالها فلن يستغربوا ذلك، فالفرز الديني البغيض متأصل فيها وفي مؤسساتها والتمييز الديني ضد المسيحيين يشكل رافداً مؤسفاً لا ينقطع يغذي مسلسل الشكاوي والتظلمات والخصومات القضائية التي ترد لمكاتب المسئولين ولأجهزة الإعلام، كما يغذي رصيداً متراكماً من المرارة والإحباط يطعن المساواة والمواطنة في الصميم.
فماذا جاء علي الموقع الإلكتروني لجامعة أسيوط عام 2006 واستمر حتي تم سحبه مؤخراً؟ ...حيث يبدو أن إدارة الجامعة اكتشفت أن ذلك يشكل علامة سلبية تدينها ولا تتفق مع روح العصر التي يليق أن تتحلي بها:
- عدد الطلبة في الجامعة 72344.
- عدد الطلبة المسيحيين 20256 بنسبة 28%.
- عدد أعضاء هيئة التدريس 2011.
- عدد المسيحيين من الهيئة 15 بنسبة 75.0%.
- عدد الأعضاء المعاونين لهيئة التدريس 1494.
- عدد المسيحيين من الأعضاء المعاونين 30 بنسبة 01.2%.
هذا الخلل الواضح بين النسبة المئوية المرتفعة للطلبة المسيحيين وبين النسبة المئوية المتدنية جداً للمسيحيين ضمن كوادر هيئات التدريس يفضح مناخ الفرز والتمييز الديني، فمازال دخول الطلبة المسيحيين إلي الكليات الجامعية خاضعاً لمعايير التفوق ونظام تكافؤ الفرص السائد في مرحلة التعليم ما قبل الجامعي، حيث تسود الامتحانات التحريرية والأرقام السرية ومكتب التنسيق، لذلك لا شيء يمنع حصولهم علي ما يستحقونه، بالإضافة إلي أن ارتفاع النسبة المئوية لهم بين أعداد الطلبة وزيادتها الملحوظة علي النسبة المئوية المتعارف عليها لمسيحيي مصر حوالي «10% من تعداد السكان» يرجع إلي زيادة الكثافة السكانية للمسيحيين في بعض محافظات صعيد مصر - وعلي رأسها محافظة أسيوط - علي النسبة العامة لهم ضمن التعداد.
لكن ماذا يحدث في التعليم العالي داخل الكليات الجامعية والمعاهد العليا؟...يجد الطلبة المسيحيون أنهم أمام مناخ جديد يستطيع أن يعرقل تقدمهم ويعطل تفوقهم، ليس لأنه مناخ متعصب ضدهم فقط-فالتعصب سمة كريهة يعرفونها وألفوها في مرحلة التعليم ما قبل الجامعي-لكن لأن هيئة التدريس في مرحلة التعليم الجامعي تمتلك من السلطات والأدوات الجديدة البعيدة عن الرقابة والمساءلة ما يسمح لها بأن تعيث فساداً وتمعن في الفرز والإقصاء بين الطلبة علي أساس الهوية الدينية...فالتقديرات الشخصية متاحة والامتحانات الشفوية مكفولة وحتي تقديرات الامتحانات التحريرية ليست بعيدة عن المساس بها لصالح ترجيح كفة طالب علي آخر... ومن لا يتصور حدوث ذلك للمسيحيين عليه أن يرجع لما يحدث عند ترجيح كفة أقارب أعضاء هيئات التدريس المسيطرة علي الكوادر والمناصب حتي تكاد تتوارثها!!!...
وتكون النتيجة في النهاية ما شهدت به الإحصائية المذكورة من أن المسيحيين من بين أعضاء هيئات التدريس التي تتشكل في غالبيتها من سبائك الطلبة المتخرجين تنكمش نسبتهم إلي أقل من واحد في المائة في هيئة التدريس الأساسية وترتفع قليلاً لتصبح اثنين في المائة في هيئات التدريس المعاونة!!!
كل ذلك الواقع الكريه ما كشفت عنه إحصائيات عام 2006، وما أدرانا بواقع الأمور الآن ونحن في عام2010 حيث تؤكد الشواهد أن الأوضاع تسوء ولا تتحسن...فالروايات التي يرويها الطلبة عما يحدث داخل لجان الامتحانات الشفوية تصيب المرء بالغثيان حيث يكفي افتضاح أمر الطالب أو الطالبة بكونه أو كونها مسيحيين حتي ينزل عليهم غضب الممتحن فإما أن يمطرهم بالأسئلة التعجيزية ويعاملهم بتهكم وصلف أو أن يكون رحيماً بهم ويصرفهم خارج اللجنة دون أن يسألهم واضعاً درجة الصفر أمام أسمائهم...هذا التمييز اللعين وتراكمه عبر السنين هو الذي أدي إلي ندرة وجود المسيحيين ضمن المتفوقين والمعيدين وبالتبعية انكمش عددهم بشدة في المقبلين علي الدراسات العليا والملتحقين بكوادر هيئات التدريس...فلا غرابة إذن أن28% من عدد الطلبة يفرزون75.0% من عدد هيئة التدريس!!!
لكن ليس هذا فقط المشهد المريض الحاكم كليات جامعة أسيوط، فذلك مجرد ما يتصل بالنواحي الكمية والإحصائية...أما ما يتصل بمناخ التدريس نفسه والمقررات التي يفرضها أعضاء هيئات التدريس خاصة في الكليات غير العلمية، وموجات زحف واجتياح النعرة الدينية علي كل شيء فذلك هو الجانب الأخطر في هذا الملف الذي نحن بصدده والذي يستمر لقاؤنا حوله الأسبوع المقبل بإذن الله.
No comments:
Post a Comment