Tuesday, July 14, 2009

متي نعلن الحرب علي ألمانيا؟


Tuesday, 14 July 2009
سعد هجرس - ألحوار ألمتمدن
بعد رواج مزايدات المتاجرة بدماء مروة الشربيني
متي نعلن الحرب علي ألمانيا؟!
من يتابع وسائل الإعلام المصرية هذه الأيام.. يمكن أن يتصور أن ألمانيا أصبحت العدو رقم واحد لمصر، وأن مصر أصبحت علي وشك إعلان الحرب عليها.وإلا.. فما هو تفسير دق طبول الحرب في كل وسائل الإعلام، المكتوبة والمسموعة والمرئية، بعد جريمة قتل المواطنة المصرية مروة الشربيني داخل محكمة في مدينة دريسدن، وتصوير هذا الحادث تارة علي أنه »حرب صليبية علي الإسلام«، وتارة أخري باعتباره جريمة »جماعية« المتهم فيها »ليس هو فقط أليكس ايه البالغ من العمر 28 عاما، بل المجتمع الألماني بأسره، بل أوروبا ومن مضي علي طريقها« كما قال الزميل والصديق العزيز مصطفي بكري في العدد الأخير من جريدة الأسبوع.
وفي سياق هذا التشخيص للجريمة، باعتبارها جريمة عنصرية غربية ضد الإسلام والمسلمين وليس مجرد جريمة فردية، تم اطلاق لقب »شهيدة الحجاب« علي ضحية هذه الجريمة البشعة، وتم تصعيد الاحتجاجات الغاضبة ضد الألمان.وكما قلنا في مقالات سابقة، فإن هناك جانبا صحيا وإيجابيا في هذا الغضب العارم الذي اجتاح مصر، يتمثل في الوقوف إلي جانب مواطنة مصرية تعرضت للقتل غدرا وغيلة علي يد متطرف ألماني عنصري، وتعرض زوجها لإطلاق الرصاص من شرطي ألماني »أحول« صوب بندقيته إلي زوج الضحية بدلا من صدر المجرم الجاني الذي ارتكب فعلته النكراء في عقر دار العدالة، أي في قاعة المحكمة التي غابت عنها أي حماية أمنية.هذا الجانب الايجابي والصحي يجب تشجيعه ودعمه حتي لا يضيع دم الفتاة المصرية هدرا، وحتي لا يفلت المجرم بجريمته، وحتي لا يضيع حق أسرة »مروة الشربيني« في التعويض العادل، وإلحاق العقاب العادل بكل من تورط بصورة مباشرة وغير مباشرة في هذا العمل الخسيس، ولا يضيع حق مصر في الدفاع عن كرامة أبنائها في الخارج.
وفي هذا السياق يستحق المستشار عبدالمجيد محمود النائب العام، ومحامي الشعب المصري رقم واحد، التحية لمبادرته بايفاد المحامي العام الأول للإسكندرية إلي ألمانيا لمتابعة التحقيق في مسرح الجريمة، كخطوة أولي أساسية لتحقيق الأهداف المشار إليها.لكن الملاحظ أن كثيرا من الأطراف التي تعاملت مع القضية حاولت لي ذراع الحقائق من أجل استنطاقها بما لا تحتمل، والتعسف في التوصل إلي استنتاجات لا مسوغ لها. وهو ما يوحي بأن دماء مروة الشربيني وأحزان أسرتها المكلومة تحولت إلي تجارة رائجة للبعض الذين حاولوا استغلال هذه الكارثة الإنسانية لخدمة أهدافهما الخاصة وغير المعلنة بالطبع.
وإذا كان مفهوما ـ وإن يكن غير مقبول ـ أن تقوم بذلك جماعات معينة، سياسية أو دينية، فإنه من غير المفهوم، وبالطبع من غير المقبول بأي حال من الأحوال، أن تسقط كثير من وسائل الإعلام في هذا الفخ.لأن المفترض أن »الإعلامي« هو أول من يجب عليه توخي الدقة والموضوعية والأمانة في نقل الوقائع.أما أن تندفع وسائل الإعلام إلي أساليب الاثارة والتهييج ونقل أنصاف الحقائق، من أجل دغدغة الغرائز وتسخين العواطف والمشاعر، فهذه جريمة لا يجب التهاون معها.فأولئك الذين أصروا علي إعطاء هذه الجريمة ابعادا دينية، وصلت إلي حد تصوير الأمر علي أنه »حرب صليبية«، لا يستند إلي أساس.
فنحن لسنا إزاء »حرب« من الأساس، لأنه ليست هناك »حرب« ضد شخص واحد. ولأن مروة الشربيني ـ الفتاة المصرية المسلمة ـ ليست الوحيدة التي تعرضت للقتل في ألمانيا مؤخرا. بل إنها ـ كما يقول الزميل نبيل يعقوب في تقرير اخباري بالغ الرصانة والاحترام نشرته جريدة »الأهالي« في عددها الأخير ـ »تنضم لقائمة تزيد علي المائة والخمسين منذ توحيد ألمانيا، رجالا ونساء من مختلف الجنسيات وألوان البشرة، جميعهم قتلوا لأنهم ذوو مظهر مختلف أو فكر مختلف أو طريقة حياة مختلفة. وربما يسفك لأول مرة دم إنسان بسبب أنه من »دين آخر«.إذن.. مروة الشربيني ليست الأولي في قائمة الضحايا، وباقي المائة والخمسين لم يكونوا مصريين أو مسلمين. فلماذا الاصرار علي أنها »شهيدة الحجاب« رغم أن غيرها من الضحايا لا علاقة لهم بالحجاب أو النقاب من قريب أو بعيد.ولماذا الاصرار علي هذا الطابع الديني للجريمة رغم أن »مروة« تكاد تكون المسلمة الوحيدة بين أكثر من 150 شخصا راحوا ضحية مئات الاعتداءات »التي شنها النازيون الجدد والعنصريون الذين يسيرون في ركبهم ضد الأجانب في مدينة دريسدن، وأشهرا مقتل جوج جومونداي الشاب الإفريقي عام 1991 والذي جاء للدراسة حتي قذفت به عصابة من النازيين من الترام المتحرك واستمرت المدينة تحتفل بذكراه في شهر أبريل من كل عام«.كما يقول الزميل نبيل يعقوب الذي لاحظ أن »التحريض العنصري ضد الأجانب كان ظاهرة واضحة أيضا في الانتخابات المحلية الأخيرة في مقاطعة ساكسن وعاصمتها دريسدن والتي جرت مؤخرا«.ويلاحظ أيضا أن هذه ليست الجريمة الوحيدة التي تقع داخل دور القضاء بل إن »الاعتداءات في المحاكم كلفت العديد حياتهم، ومنهم قاض ألماني ومسئول في النيابة العامة«.وهذا يعني أيضا أن التفسير التآمري الذي يتذرع بوقوع الجريمة داخل المحكمة يستند إلي انصاف معلومات وأنصاف حقائق.
ما »التواطؤ« العام الذي يفترضه هذا التفسير التآمري، فيبدده هو الآخر تنديد الحكومة الألمانية بجريمة قتل »مروة« حيث قال توماس شيتج المتحدث باسم الحكومة الألمانية ان »الجريمة لن تجد سوي أقصي درجات الإدانة الشديدة بغض النظر عن دوافعها« كما جدد رفض حكومة بلاده لكراهية الأجانب والتوجس من الإسلام وقال شتيج إن ماريا بومر مفوضة الحكومة الألمانية لشئون الأجانب زارت علوي علي عكاز زوج الضحية والذي يعالج حاليا في مستشفي دريسدن الجامعي وأعربت عن تعازي الحكومة الألمانية واستنكارها البالغ لهذه الجريمة النكراء.وفي الوقت نفسه أعلن المتحدث باسم المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل أنها بحثت مع الرئيس حسني مبارك -أثناء لقائهما علي هامش قمة مجموعة الثماني- هذه الجريمة »العنصرية« - كما تبدو من ظاهرها - التي ذهبت ضحيتها المواطنة المصرية مروة الشربيني.ومن ناحيته قال وزير الداخلية الألماني، فولفجانج شويبلة، إن هذه الجريمة النكراء »عمل جبان ذو دوافع يمينية متطرفة ويثير الخجل«.فأين هذا التواطؤ الجماعي والعام الذي يتحدث عنه أصحاب نظرية »الحرب الصليبية« أو أصحاب نظرية الحقد الغربي ـ بالمطلق ـ علي الاسلام والمسلمين؟!
نعم.. هناك عنصريون في الغرب معادون للعرب والمسلمين، مثلما هنا عنصريون في مصر معادون لكل ما هو غربي وغير إسلامي، لكن التعميم في الحالتين، وعلي الجانبين، مرفوض، ولا يمكن رفضه هنا وقبوله هناك.والسؤال الذي يجب أن نسأله لأنفسنا بصراحة وأن نجيب عنه بصدق ونزاهة هو: هل كنا سنشاهد نفس الغضب لو أن مروة لم تكن محجبة؟!والسؤال الثاني الذي يجب أن نسأله لأنفسنا بصراحة وأن نجيب عنه دون لف أو دوران هو: هل مروة الشربيني هي أول مصرية تتعرض للعدوان خارج مصر،أم أن هناك عشرات ومئات، وربما آلاف من المواطنين المصريين سبق وأن تعرضوا لجميع أشكال القتل والتعذيب والجلد بالسياط في دول شتي، بعضها تربطنا به »شراكة استراتيجية« كما تقول الحكومة المصرية ذاتها؟فلماذا الاستئساد علي ألمانيا ودفن الرؤوس في الرمال مثل النعام أمام اختطاف وقتل وتعذيب مواطنين مصريين في دولة مثل أمريكا أو حتي في بعض البلدان العربية الشقيقة؟!
لماذا هذه »الانتقائية« حتي في الغضب الوطني، علماً بأن العلاقات المصرية الألمانية تتسم بأنها الأقل توتراً والأقل مشروطية وأنها الأكثر تنوعا علي جميع الاصعدة وخاصة في ثلاثة قطاعات: المياه والبيئة واقتصاد السوق الاجتماعي، وبنتيجة لذلك بلغت الصادرات المصرية لألمانيا خلال الفترة من يناير إلي أكتوبر 2008 نحو مليار يورو، في حين بلغت الصادرات الالمانية إلي مصر 179.2 مليار يورو خلال نفس الفترة، كما بلغ حجم الاستثمارات الألمانية نحو 929.1 مليار جنيه حتي 30 يونيه 2008 تمثل استثمارات داخلية وهو ما يجعل ألمانيا تحتل المرتبة الثانية عشر بين أهم الدول المستثمرة في مصر، ناهيك عن العلاقات الثقافية المتميزة من خلال معهد جوته، وهيئة التبادل العلمي الألمانية بالقاهرة Daad والتي تقدم العديد من المنح الدراسية للباحثين المصريين للدراسة بألمانيا، وربما كان زوج مروة الشربينى ذاته واحد منهم ومشروع مبارح كول للتعليم الفنى والجامعة الالمانية بالقاهرة ومعهد الآثار الألمانى والمدرسة الالمانية بالقاهرة ومبادرة "المدارس وشراكة المستقبل"، وإنطلاقا من إعلان الرئيس مبارك بإطلاق العقد المصرى للعلوم والتكنولوجيا بدءاً من عام 2007 تم إعلان عام 2007 عاماً مصرياً ألمانياً للعلوم والتكنولوجيا فى 15 يناير 2007.كل هذه الحقائق يقفز عليها من يصبون الزيت على النار، وكأنهم يدقون طبول الحرب ضد كل ما هو ألمانى.وبالمقابل فإن تذكر هذه الحقائق والمطالبة بوضعها فى الحسبان ونحن نحسب ردود أفعالنا تجاه الجريمة النكراء التى وقعت ضد مواطنة مصرية، لا يعنى المطالبة بإلا نغضب أو المطالبة بالتفريط فى حقوقها وفى حقوق أسرتها أو التفريط فى الأهانة التى لحقت بكرامة مصرى واحد خارج الوطن.
وأنما يعنى التمسك بهذا كله والغضب له جميعه والعمل على استعادته بكل الطرق المشروعة والحضارية وأقواها فعالية بما فى ذلك الغضب الشعبى.. لكن الغضب الشعبى مبنى على حقائق وليس الأوهام.وإلا ننسى فى الوقت ذاته أن هناك عدداً ليس قليلاً من المواطنين الالمان وغير الالمان قد تعرضوا للقتل فى بلادنا على أيدى مصريين مسلمين متعصبين أعطوا لنفسهم حق إزهاق ارواح من اعتبروهم "كفاراً" والعياذ بالله، وطالبنا الالمان وغير الالمان بإلا يقعوا فى خطيئة تعميم جريمة هذه الاقلية المتطرفة والارهابية على الأغلبية المصرية والمسلمة البريئة من هذا الذنب العظيم.والعدل يحتم علينا إلا نكيل بمكيالين وإلا نقبل على أنفسنا ما نرفضه على غيرنا.باختصار.. تعالوا ندافع عن حقوق مروة وأسرتها وليس المتاجرة بدمها وأحزان أسرتها فى سوق المزايدات السياسية.

No comments:

Post a Comment